عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 03-03-2011, 11:31 PM
د. وديع إلياس غير متواجد حالياً
د. وديع إلياس
د. وديع إلياس
 


افتراضي المتدرب واتجاهاته نحو عملية التعلم

المتدرب واتجاهاته نحو عملية التعلم




يحضر الفرد إلى قاعات التدريب بالإضافة إلى ما لديه من قدرات واحتياجات يتوقع تحصيلها من التدريب، اتجاهاته نحو عملية التعلم ومواقفها فكل فرد له أسلوبه المتميز في تحصيل المعرفة واكتساب السلوك ومواجهة مواقف التعلم. هذا الأسلوب الذي تعلمه خلال خبراته السابقة والتي تمتد إلى المراحل الأولى من حياته وطفولته، وتدعمه مواقف لاحقة في حياته الاجتماعية والعملية. فإذا كان الفرد قد كون مفهومه عن التعلم في إطار خبراته المدرسية حيث يتضمن ذلك القراءة والسماع للمحاضرات ومواجهة مواقف (الامتحانات)، فسوف يحضر معه إلى قاعات التدريب مشاعر القلق والاتجاه إلى مقاومة الاندماج في الخبرات التدريبية أو الاستغراق في مواقف التعلم. وإذا كان مفهومه للتعلم
يدور في (موقف التلقي السلبي) فسوف يفشل في مواقف التدريب الإيجابية - بل يحجم عن الدخول فيها - حيث تتضمن مواقف تعلم تمتد عمقا إلى مستويات المشاعر والانفعالات وتتطلب تبادل معاملات بشرية في تفاعل حر بين أعضاء جماعة التدريب.
وهنا تبرز المهمة الأولى والأساسية لعملية التدريب في موقفها الكلي المتكامل التفاعل بين المدرب وأعضاء جماعة المتدربين، فيقوم المدرب إلى معاونة المتدرب على التخلص من اتجاهاته القديمة نحو عملية التعلم واكتساب طرق وأساليب متباينة للتعلم والنمو، وبهذا يظهر لنا أهمية مجالات الإدراك والدافعية والاتجاهات عند الفرد كمجالات تشخيص واستطلاع وبحث للمدرب في دوره المعاون للمتدرب على التعلم والتغيير.
ويقوم في مجال إدراك المتدرب لموقف التعلم تساؤلات أهمها ما هي مدركات الفرد عن إمكاناته للتعلم، ودور المدرب، وطبيعة مواقف التدريب؟ هل ينظر إلى موقف التدريب على أنه عملية تعلم في مستوى التفكير المجرد ولا ارتباط بينها وبين احتياجاته العملية ؟ هل يدرك المتدرب على أن لدى المدرب القدرة على تفهمه ومعاونته وإلى أي مدى يمكنه هو نفسه (المدرب) أن يتعرف على أولويات احتياجاته ونوع المعاونة التي يحتاجها ؟ ما هي مشاعر واتجاهات المتدرب تجاه المدرب ومن يماثله في مواقف السلطة منه (المدرس) - وهل هي مشاعر القبول أو الرفض ؟ وما هو إحساس واتجاهات المتدرب تجاه أفراد مجموعته ؟
كل هذه التساؤلات تدور في نطاق التشخيص والبحث والاستطلاع فيما يتعلق بمشاعر الأمان عند الفرد في موقف التعلم (التدريب) وبين أعضاء جماعته، فتحقيق مشاعر الأمان للفرد في مواقف التدريب شرط أساسي لقيام عملية التعلم الذاتي، فكل فرد يواجه مواقف التعلم باهتمام وقلق حقيقي يظهر لوعيه أو يكمن في أعماقه، ذلك أن مواجهة عملية تعلم جديد تضع الفرد في قلق احتمالات مجهول أبعادها ونتائجها له. ويرد الفشل وتغير ما تعود عليه الفرد ضمن هذه الاحتمالات، وكل منها يعتبر مصدرا للقلق في ذاته. ولهذا فإن مشاعر عدم الاطمئنان أو عدم الارتياح تصاحب مواقف التغيير الذاتي أو التعلم الفردي. بل قد تزداد خلالها الأحاسيس إلى مستوى القلق ومشاعر الألم بما قد يؤدي إلى ظهور اتجاهات مقاومة التغيير ومقاومة التعلم.
وفي مجال مدركات الفرد - كما هو في مجال الدافعية - يقع مدخل من مداخل أحداث التعلم والتغيير، حيث يواجه المدرب المدركات السلبية للفرد ودوافعها واتجاهاتها نحو مواقف التعلم. تلك المدركات والدوافع والاتجاهات التي حصل عليها الفرد من خبرات ومواقف مشابهة خلال المراحل السابقة للتعليم والدراسية، وتقوم علمية مواجهة المدرب لمدركات الفرد من خلال تعرفه إلى الميكانزمات الدفاعية ومعميات الإدراك التي يتم عن طريقها تبادل رسائله مع الآخرين فلكل واحد منا (جهاز للإدراك) تمر به عمليات التواصل بينه وبين الغير، ويعمل هذا الجهاز على إزالة بعض معالم عمليات التواصل (أو الرسائل) هذه بما قد يؤدي إلى تحوير حقيقتها شكلا وموضوعا، وما ذلك إلا لحجز المعلومات التي تمثل تهديدا لتقدير الذات من الدخول بمجال الشعور، أو أن يعطيها ميكانزم الدفاع تفسيرا ومعنى يخفف من وقعها التهديدي فيسمح لها بدخول مجال الوعي والشعور. ويحمل الفرد صورة للذات لها خاصية مقاومة دور التبعية للغير في أن يتلقى عنهم المعرفة والمعلومات، والكبار أشد وطأة في ذلك من صغار السن، ويواجه المدرب حين تناوله مدركات الفرد وتفاعله معه خلال مواقف التدريب تساؤلات عدة تحدد له الإجابة عنها ما عليه رسائل التفاعل المتبادلة بينهما من محتوى وأسلوب، ومن التساؤلات التي تعين المتدرب في هذا الشأن ما يلي:
- ما هي المعلومات التي يقبلها أو يرفضها المتدرب عن أدائه وسلوكه التنظيمي؟
- كم من المعرفة يعزلها الفرد في خانات مقفلة ويحولها إلى تجريديات فكرية حتى تحجر عن دخول السلوك والتعامل ويزول بذلك أو يضعف ما تمثله من تهديد لصورة الذات؟
- إلى أي مدى يحتفظ الفرد بقدرة استعادة خبراته والتعبير عنها لغويا ومع ذلك يرفض امتصاصها داخليا حتى لا تخرج إلى حيز الوجود ومجال السلوك ؟
- هل لدى الفرد القبول الذاتي بالقدر الذي يدفعه للنمو والتغيير؟
إن الدافعية والإدراك - وما يدور في مجالهما من مشاعر ودوافع الخوف والقلق تؤثر على عملية التعلم الفردي وما تتضمنه من المعاملات البشرية المتبادلة في مواقف التفاعل من معلومات ومفاهيم ومشاعر واتجاهات. ذلك أن مشاعر الخوف لدى المتدرب وما يحس به من تهديدات الصورة الذات في مواقف التعلم تمثل لديه حواجز حقيقية تحول بينه وبين اكتساب المعرفة والمهارة والسلوك المرغوب فيه. فحيث يعني التعلم بالنسبة للمتدرب المخاطرة بدخول المجهول وترك ما سبق أن اعتاد عليه وجربه واستشعر بالأمان في رحابه فإنه يتجه إلى مقاومة التغيير والثبات على ما تعود على الأمان معه ولو كان ذلك غير مرضي في نظر الغير، وقد ينتاب الفرد في مواقف التعلم صراع بين مقاومة التغيير وبين اتجاه في نفس الوقت إلى التطلع للمعرفة والتجديد، ويؤدي هذا الصراع بالفرد، في كثير من الأحيان، إلى تفضيل أسلوب عرض المعرفة حيث يمكنه ذلك من أن يستوعبها في الذاكرة دون امتصاصها داخليا من خلال عملية تعلم فردي عميق يتضمنه برنامج لتغيير الاتجاهات والسلوك، مثل هذه المواقف تعد مواقف تعلم سلبي ولو تضمنت كثيرا من جهود وأساليب (التدريس)
ويحضر الفرد إلى قاعات التدريب ما لديه من مهارات واتجاهات العلاقة مع الغير، والتي تحدد مستوى عضويته ودرجة حيويته داخل جماعة التدريب، فإذا افتقد المتدرب قدرة التعامل بكفاءة مع الغير أو كعضو بجماعة، أصبح من العسير عليه أن يدخل مواقف التفاعل وتبادل معاملات التعلم التي تقوم داخل جماعات التدريب وكذلك الحال إذا كان لديه قصور في قدرة التفاعل أو الإصغاء حيث ينخفض احتمالات تعلمه، وقد يؤدي به فقدان أو ضعف قدرات التعامل مع الغير إلى إحساسه بالتوتر في مواقف التدريب وزيادة القلق على صورة الذات لديه بما يكون من نتيجة انخفاض مستوى رضاءه عن تبادل معاملات مواقف التعلم، وتزداد تبعا لذلك مقاومة التغيير ومقاومة التعلم.
وعليه نرى أن مدخل التعلم وتبادل معاملاته هي العمليات النفسية للإدراك والدافعية والتعلم، وأن نواتج هذه العمليات النفسية من مدركات ومفاهيم وانفعالات وقيم ودوافع واتجاهات سلوك هي ما تتضمنه المعاملات المتبادلة بين أطراف مواقف التفاعل في قاعات التدريب، والفرد ذاته كما هو بالنسبة للمدرب والمتربين - جزء من أجزاء المعاملة البشرية في مواقف (التدريب والتعلم)، ومن المهم أن يتعرف المدرب على كيفية حركية وتفاعل العمليات النفسية للإدراك والدافعية والتعلم المتدرب، وأن يهتم بنواتجها من المدركات والدوافع والاتجاهات والانفعال والسلوك ليحدد مدخل المتدرب في مواقف التعلم والتغيير ومدى انفتاحه عليها.
إن الفرد بكليته وتكامله الفسيولوجي / النفسي هو الذي يحضر مواقف التدريب ويواجه خبراتها، وليس حضوره قاصرا على عقله أو جهازه الفكري فقط، وإذا حاول المدرب أن يتفهم المتدرب من خلال جزء من أجزاء تكوينه الفسيولوجي النفسي (سواء كان ذلك هو الفكر فقط أو أحد مكونات التكوين النفسي) فإنه يفشل في الوصول إليه أو حتى الاقتراب منه، وعليه لا يمكن للمدرب في هذه الحال أن يعاون المتدرب في عمق قيام عملية التعلم الفردي وإحداث التغيير الذي ينعكس في سلوكه وتصرفاته في مجالات العمل والحياة.
إن حقل العلوم الإنسانية مصدر إثراء لتطبيق نظريات التعلم في مواقف التدريب والحياة، ولقد شاركت العلوم الإنسانية إيجابيا في تأصيل مفاهيمنا عن عملية التعليم والتغيير، وتوسيع نطاق التطبيق، ويقدم لنا كل من علم النفس العلاجي وعلم الأمراض العقلية المعرفة عن القلق واهتمامات الفرد الفكرية والعاطفية، وتأتينا المعرفة عن ظاهرة مقاومة التغيير وعمليات إحداث التغيير من علم الاجتماع وعلم النفس الاجتماعي، وتأتينا المعرفة في مجال الإدارة والدافعية ونظريات التعلم المختلفة من علم النفس العام، وفي إطار هذه الخلفية العلمية الواسعة يجب أن تتجه ممارساتنا في تصميم وإعداد برامج التدريب، وإستراتيجياتنا في إدارة برامج تنمية القيادة الإدارية في المستويات المختلفة لتدرج تنظيمات العمل، كما يجب أن نستند على هذا الأساس العلمي في تفهمنا وتناولنا لمواقف (التدريب والتعلم) وموقف تبال المعاملات البشرية داخل وخارج قاعات التدريب.













رد مع اقتباس